خصوم الحسن الثاني

الرباط08-06-2009

خلال سنوات طويلة شن الحسن الثاني حربا هوجاء على المعارضة لم يكن يسلم من عواقبها إلى النزر القليل من المحظوظين؛ التشنج في العلاقة بين الحسن الثاني والمعارضة بدأ منذ كان وليا للعهد عندما طلب من الراحل محمد الخامس إسقاط حكومة عبد الله إبراهيم، فكان الأسلوب الذي تبناه مع قوى المعارضة بالنفي أو الاعتقال أو الاغتيال

المهدي بنبركة الاغتيال السياسي

مداد كثير أسيل في سبيل قضية المهدي بنبركة، فالقضية غامضة و لم تفك رموزها لحد الآن بالرغم من التحقيق الذي أجرته دول أجنبية في الموضوع، فلحد الآن لم يعرف مكان دفن بنبركة . وبالنسبة إلى تفاصيل الاختطاف والاغتيال فهي الأخرى معرضة بشكل يومي للنسخ إثر ظهور معطيات وشهادات وأدلة جديدة. أكبر معارض للملك الحسن الثاني تم اختطافه سنة 1965 بفرنسا

تفاصيل اختطاف وقتل بنبركة التي أعلنت عنها بعض المصادر سواء من داخل المخابرات المغربية أو غيرها من تحقيقات الشرطة الفرنسية تبين مدى القسوة التي كان يعامل بها المعارضون للنظام في المغرب.

تفيد التحقيقات أيضا أن اختطاف واغتيال بنبركة ساهمت فيهما دول أخرى غير المغرب وفرنسا، دول كانت لها مصلحة في التخلص من المهدي بنبركة المعارض الاشتراكي وزعيم حركة تحرر العالم الثالث ومنظمة الوحدة الإفريقية، إذ بالإضافة إلى المغرب وفرنسا نجد ذكر الموساد الإسرائيلي ووكالة الاستخبارات الأمريكية CIA. إلى حدود اليوم تبقى قضية بنبركة مسلسلا ماراطونيا لا نعرف متى يمكن أن تبث حلقته الأخيرة التي قد تكشف أمورا خطيرة ومعقدة تتداخل فيها مصالح الدول الأربع  ومصائر عدد من الأشخاص أهمهم عائلة المغتال التي ما تزال تطالب بلا هوادة بالكشف عن الحقيقة الكاملة.

الفقيه البصري الأسطورة

بدأ محمد البصري المعروف بالفقيه مسيرته النضالية في عهد الاستعمار، إذ قاد النضال ضد الباشا الكلاوي وقام بعدد من العمليات الفدائية ضد الاستعمار ليتوج أعماله سنة 1953 بتأسيس جيش التحرير الذي التحق به عدد من أبناء الشعب، تعرض للاعتقال وحكم عليه بالإعدام سنة 1954 إلا أنه نظم عملية هروب أصبح يتداولها المغاربة فيما بينهم كأسطورة بعيدة عن الواقع، وبعد الهروب استأنف الفقيه المقاومة ضد الاستعمار في ظل جيش التحرير إلى أن نال المغرب استقلاله سنة1956.

قاد الاتحاد الوطني للقوات الشعبية إثر انشقاق الحركة الوطنية سنة 1959 وكان يدعو من خلاله إلى تمكين أبناء الشعب من السلطة كما كان يدعو إلى اختيار جمعية تأسيسية تضع دستورا مغربيا بكل تفاصيله بعيدا عن استنساخ مضامين الدستور الفرنسي وترجمتها. عرض عليه الملك الراحل عددا من المناصب المهمة، إلا أن الفقيه رفضها واختار الاشتغال في الصحافة حيث ترأس جريدة "التحرير" المثيرة للجدل آنذاك والتي أدى خطها التحريري إلى توقيفها، واعتقل البصري سنة 1960 ليفرج عنه ثم ليعتقل من جديد ويحاكم بالإعدام.

نجا من الإعدام مرة أخرى بعدما تم الإفراج عنه واضطر إلى الجوء إلى المنفى خاصة بعد اغتيال المهدي بنبركة وتشديد الخناق على زعماء المعارضة. طاف عددا من الدول العربية والأجنبية وتحدث عن مواقفه المعارضة للنظام للمغرب مما أدى إلى الحكم عليه مرة أخرى بالإعدام غيابيا  سنتي 1971 و1975.

تعددت اهتماماته بالقضايا المغربية إلى جانب القضايا القومية العربية كقضية فلسطين وقضية العراق. تمكن من العودة إلى المغرب سنة 1995 إلا أن عودته إلى المغرب لم تعن أن البصري تخلى عن مواقفه، فقد استمر في انتقاد ما كان يراه سيئا في النظام كتجربة التناوب الحكومي. وبعد وفاة الحسن الثاني دعا العاهل الجديد إلى التشبث بتجربة محمد الخامس والقطيعة مع تراث الراحل الحسن الثاني.

توفي البصري سنة 2003 عن سن تناهز 78 سنة مخلفا تاريخا مليئا بالنضال والمغامرة والمخاطرة التي كادت تودي بحياته مرات عديدة إلى أن تحول إلى أسطورة للمغاربة، كيف لا وقد نجا من أحكام الإعدام لأكثر من مرة؟ !

السرفاتي؛ اليهودي المغربي

في مقال لمولاي هشام تحت عنوان "الحسن الثاني لم يكن ديمقراطيا لكنه كان يعرف قيمة الحرية" يقول في إحدى الفقرات "...كان-أي الحسن الثاني- دائما مصرا على بقاء شعرة معاوية مع الجميع، مهما كانت طبيعة المخاطب سواء أكان الهواري بومدين أم نوبير الأموي أم عبد الرحيم بوعبيد، الحالة الوحيدة التي كانت تشذ عن القاعدة حسب ظني كانت حالة أبراهام السرفاتي دون أن أجد لها تفسيرا"

علاقة الملك الحسن الثاني باليسار كانت معروفة، فاليساريون كانوا معارضين أشداء لنظام الحكم ومنتقدين لوضعية حقوق الإنسان المتردية  وأبراهام السرفاتي واحد من الذين آمنوا بالفكر الماركسي وأسسوا  مجموعة إلى الأمام التي تزعمها أواخر الستينات ليستمر في العمل السري تحت ظلها إلى حدود سنة 1975 حيث تم اعتقاله والحكم عليه بالمؤبد بتهمة الإخلال بالأمن العام والتشكيك في مغربية الصحراء.

ولد أبراهام ألبير السرفاتي سنة 1926 وهو مغربي يهودي خريج المدرسة الوطنية للمعادن بباريس، بعد نيل شهادته عاد إلى المغرب حيث اشتغل في مناجم الفوسفاط. تولى سنة 1958 منصب مدير ديوان كاتب الدولة للإنتاج الصناعي والمعادن، ثم كلف بمهمة بديوان وزارة الاقتصاد الوطني.

كانت بداية  سنوات السجن والتعذيب وبالضبط أربع عشرة سنة  في مولاي الشريف، بعد ذلك تم نقل السرفاتي إلى السجن المدني بالدار البيضاء حيث قضى  ما يفوق ثلاث سنوات.

استمر سجن السرفاتي حتى سنة 1991 حيث تم الإفراج عنه ليتم نفيه إلى فرنسا لأنه كان يحمل الجنسية البرازيلية.

بقي منفيا ولم يعف عنه أبدا الملك الراحل؛ وفي شتنبر من سنة 1999 كان من أول الأشياء التي قام بها العاهل الجديد فتح أبواب المغرب في وجه السرفاتي وإعادة الاعتبار إليه بمنحه جواز سفره وبطاقة هويته المغربيين وإهدائه منزلا بالإضافة إلى منحه منصب مستشار في المكتب الوطني للأبحاث والتنقيب عن النفط.

في رده على سؤال صحفي في إحدى برامج الجزيرة حول سبب قيام الملك محمد السادس بخطوة لم يقم بها والده قال السرفاتي "لا أسمح لنفسي بالحكم على عهد الحسن الثاني، فالتاريخ وحده سيحكم على هذا العهد ويبينه، صحيح أنه في هذا العهد عشت أنا ومناضلون مغاربة كثيرون أوقاتا عصيبة، لكنني أعتقد أن التاريخ سيوضح مدى مسؤولية كل من الحسن الثاني والاستخبارات والشرطة والآمرين بالتعذيب ومن كانوا ردحا من الزمن أداة للنظام" وأردف مضيفا "الحمد لله أننا الآن نعيش حقا فجر عهد جديد في المغرب بفضل ذلك النضال والبذور التي زرعها في البلاد، وبفضل جلالة الملك محمد السادس كذلك، وأشعر أنه رائع جدا أن أعيش بقية عمري في هذا الجو".

واختفى كل خبر وأثر يخصه منذ حينها. وتشير المعطيات المتوفرة لحد الآن إلى أن التعليمات العليا طالبت باختطاف بنبركة ونقله حيا إلى المغرب، إلا أن مستجدا أدى إلى قتله في إحدى ضواحي باريس، على يد وزير الداخلية حينئذ محمد أوفقير ومساعده أحمد الدليمي، ونقله بعد ذلك إلى الرباط حيث تم تذويب جثته في خزان من الأسيد.