كيف تحققت نبوءة الملك الراحل الحسن الثاني؟
2008-9-26-الرباط
كانت للحسن الثاني جرأة الاعتراف بكون السكتة القلبية تهدد المغرب ، ولذلك سارع إلى التغيير وهندسة حكومة التناوب التوافقي . والتي أريد لها أن تكون ناجحة -ولو ظاهريا- ، قصد الخروج من الوضعية السياسية والأزمة الخانقة التي تسببت فيها سنوات حكم الملك الراحل العجاف ، وخاصة أن وضعية حقوق الإنسان عانت من ويلات الحكم الشمولي والتحالف المشكل أساسا من طرف النظام الملكي إلى جانب المخزن السياسي والمخزن العسكري .
شمولية نظام الحسن الثاني لم تمنعه من توجيه خطه الإصلاحي والترويج له ، مستغلا بذلك القابلية التي أبداها أبرز الخصوم التاريخيين والذين شكلوا عماد المعارضة لسنوات طويلة ويتعلق الأمر أساسا بحزب الإتحاد الاشتراكي الذي قاد تجربة التناوب التوافقي ، لتحويل مواقفه الإصلاحية إلى ما بات يسمى"إيديولوجيا التصالح" والمشاركة في حكومة بدون ضمانات تضع مسافات بين العمل الحزبي وطبيعة النظام الملكي والذي لم يكن مستعدا للتنازل عن سلطاته وصلاحياته الدستورية والتي تجعل منه السلطة الأولى في المملكة ، وبذلك فإن باقي الفاعلين يخضعون لمشيئته والتي كانت تصب في اتجاه ضمان انتقال مفاتيح الحكم إلى العاهل محمد السادس بدون أية تصادمات مع معارضة كانت تملك كل مقومات تحريك الشارع والتأثير فيه .
وبوفاة الملك الراحل الحسن الثاني وجلوس محمد السادس على عرش أسلافه يكون قد ورث عن فترة حكم والده وتسلم منه هدية ملغومة ، ويتعلق الأمر بالمجال الاجتماعي ( البطالة ، الفقر ، الأمية ، تدهور قطاع التعليم ، الصحة ، السكن ...) وقضية الصحراء، هذا إلى جانب المعضلات المجتمعية ( الرشوة ، المحسوبية ، الفساد السياسي والأخلاقي ...) وأزمة القضاء وعلاقات المغرب بالدول المجاورة ، هذا دون إغفال القضية الأمازيغية ، إلخ ...
وأمام تعقد الإشكالات وجسامة الانتظارات أقدم -أي الملك الحالي- كخطوة أولى على إزاحة الوزير الذي أمسك المغرب إلى جانب الحسن الثاني بقبضة من حديد طيلة عقود من الزمن المغربي الرديئ ، ويتعلق الأمر بإدريس البصري ، والذي عرف عنه أنه كان إلى جانب الملك الراحل مهندسا لسنوات الجمر والرصاص ، مما شكل رسالة ذات حمولات وإشارات تشي بكون العهد الجديد ينهج مسارا ورؤية غير تلك التي ألفها المغاربة من سلوكيات وخطابات . ووفقا لذلك أصبحت مسامع المغاربة تتعايش مع خطابات تسويقية من قبيل "المفهوم الجديد للسلطة" ، "مغرب الخير والنماء" ، "ملك الفقراء" ، "المشروع المجتمعي الديموقراطي الحداثي" .